حق علينا ونحن نودع عامنا المنصرم
وهذه هي أحداث أمتنا ومآسيها ان نقف مع أنفسنا محاسبة ونأخذ العظة والعبرة
من هذه الأحداث ومن مرور الليالي والأيام، فما الليالي والأيام الا خزائن
للأعمال ومراحل للأعمار تبلي الجديد وتقرب البعيد أيام تمر وأعوام تكر
وأجيال تتعاقب على درب الفناء فهذا مقبل وذاك مدبر وهذا سقيم وذاك صحيح
وآخر في النزاع الأخير أعيد إلى التراب آجال أجلت وأقدار قدرت ومنايا نصبت
فهي سهام مروعة في كل آونة واقعة فسبحان الحي القيوم الدائم وغيره لا يدوم (كل شيء هالك إلا وجهه).
عام مضى وانقضى من عمرنا طويت صحائفه وطويت دواوينه مرت فيه الأيام مسرعة
كالسيوف القاطعة ترى كم من عزيز فقدناه ومن حبيب ودعناه وكم قريب دفناه،
وكم من صديق عزيناه ولا نعلم متى سيعزى بفقدنا؟ فهل نستيقظ من غفلتنا هل
سنعود إلى ربنا.
إننا قادمون إن عاجلا أو آجلا على أمر خطير وخطب عظيم،إننا قادمون على
الموت وسيقدم علينا الموت وكثير من الناس الا من رحم لا يعتبر بمرور السنين
ويكون مصرا على خطيئته ومعصيته لا يقلع عنها. فلا يعتبر بمرور الأيام وكر
الدهور والأعوام وكأن الموت في هذه الدنيا على غيره قد كتب وكأن الحق على
غيره قد وجب،وكأن الذي يشيع من الأموات سفر إليه راجعون، تأويهم أجداثهم
ويأكل تراثهم وكأنه مخلد بعدهم قد نسي كل موعظة وأمن كل جائحة، وهكذا
الإنسان ينسى نفسه في خضم هذه الحياة وزخارفها حتى يفجعه الموت (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر)، (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام).
يقول عمر بن عبدالعزيز يرحمه الله: لقد نغص الموت على أهل الدنيا ماهم فيه
من حضارة الدنيا وزهرتها فبينما هم كذلك اتاهم جاد الموت فأخرجهم مما هم
فيه فالويل والحسرة هناك لمن لم يحذر الدنيا.