* المجتمعات العربية تفتقد للأسر الذكية التي تجيد فن التعامل من المشاكل.
* غياب لغة الحوار سيحول أولادنا لقنابل موقوتة.
* على الزوجين اقتراح سيناريو للوصول إلى التراضي وقت الخلاف.
* إعلاء قيمة الذاتية وغياب قيمة التسامح وراء انتشار ثقافة النكد الأسري.
* * *
باتت مجتمعاتنا العربية تعاني خلال العقود الأخيرة غزو ثقافة النكد، والعبوس، والقلق، والاضطراب الأسري، مما استحال معه إقامة حوار أسري دافئ أو تواصل شديد بين أفراد الأسرة, كما أدى إلى التفكك الأسري وارتفاع حالات الطلاق.
وفي دعوة لعدم الاستسلام لتلك الثقافة و نبذ ثقافة النكد، واستبدالها بثقافة التواصل والتفاهم والحب والمودة وسماع الآخر، وضرورة ألا نستسلم لثقافة القطيعة الأسرية، التي فرضها علينا الغرب؛ فألقت بأسرنا في خضم النكد والمشاكل؛ فضاع الاستقرار وفُقد الحوار وباتت المودة والرحمة في مهب الريح.
* معوقات:
ما معوقات تحقيق السعادة الزوجية من وجهة نظرك؟
أشد ما نعانيه في وقتنا الحاضر هو غياب الأسر الذكية التي تجيد فن التعامل مع المشاكل المختلفة سواء بين الزوجين معاً، أو بين الآباء والأبناء، أو بين أفراد الأسرة، أو بين الأسرة والجيران المحيطين، أو بينها وبين المجتمع بوجه عام، ونتج عن ذلك بصورة تلقائية تقلص العلاقات الاجتماعية في دوائرها المختلفة بصورة واضحة وفجة.
كما نعاني جهلاً واضحاً بعملية التواصل الأسري والسعادة الزوجية بوصفها فن يجهله الكثيرون، كما لا نخطط لتفعيله مما أدى إلى عدم قيام كل طرف من الزوجين بواجباته نحو الآخر على الوجه الأكمل فضلاً عن هروب الدفء الأسري, وكانت المشكلة الأكبر في أن كل طرف يعرف حقوقه أكثر مما يعرف واجباته ولا ينظر إلى إيجابيات الطرف الآخر ولا يقدر جهود وتضحيات الآخر وحرصه على استمرار الأسرة, علاوة على عدم تدعيم مساحات الحوار مع شريك العمر والأبناء,هذه كلها عوامل تعيق تحقيق السعادة الأسرية.
* الاستقرار والسعادة:
وكيف تتحقق السعادة الزوجية؟
من خلال دراستنا وخبرتنا في استشارات السعادة الزوجية تبين لدينا أن هناك ثلاثة جوانب أساسية من شانها تحقيق الاستقرار والسعادة الأسرية، بداية بإشباع الجوانب النفسية لدي الزوجين، والإشعار بالرحمة والمودة، والتغاضي عن سلبيات الآخر، والتركيز على إعلاء القيم الإيجابية فيه وتزكيتها، وكذلك إشباع الجوانب الاجتماعية، وأن تصبح أم الزوج أما للزوجة والعكس صحيح، وألا تتقوقع الأسرة النووية على نفسها، وهو ما أظهرته دراسة حديثة بأن نسبة الطلاق في الأسر المركبة أقل منها في الأسر النووية؛ بسب تدخل أطراف حاضرة باستمرار في بيوت العائلة تتدخل لإنهاء واحتواء الخلاف بين الزوجين فضلاً على أن الاتزان النفسي للأبناء في بيوت العائلة أفضل من الاتزان النفسي لأطفال الأسر النووية بشرط احترام خصوصية الأسرة النووية، علاوة على ضرورة إشباع الجانب البدني الذي فصله القران الكريم في العديد من الآيات القرآنية ولم يهمله بل ركز على ضرورة الاهتمام به وضرورة النجاح فيه واحترامه.
وهل لغياب الحوار أثر سلبي على الأسر ة وعلى الأولاد؟
نعم وبدون شك، فغياب لغة الحوار والتفاهم والمشاركة بين الآباء والأمهات من ناحية، وبين الإخوة والأخوات من ناحية أخرى؛ له مردود سلبي في تحويل الأبناء لقنابل موقوتة في المجتمع؛ بسبب افتقادهم للغة الحوار المادي أو المعنوي، أو حتى الرمزي الذي يمتص غيظهم ويخفف عنهم توترهم، فمن خلال الحوار يفرغ الأبناء وكذلك الزوجين عن كل الضغوط النفسية التي يعانونها بطريقة سليمة وبطريقة أمينة، فالتخلص من الضغوط النفسية أولاً بأول ودخول أطراف موثوق فيها لطرح حلول للمشاكل من شأنه أن يخفف من عبء الضغوط على الإنسان، مع مراعاة التجديد المستمر في نمط الحياة، وكذلك أخذ الدعم العلمي باللجوء للمتخصصين في الاستشارات الزوجية، وحضور ندوات ودورات، ومتابعة برامج ومواقع اجتماعية، للاستفادة من الخبرات والنماذج المختلفة للوقوف على أرضية صلبة بعيداً عن الإصابة بالأمراض النفسية التي ارتفعت نسبتها بصورة مخيفة في مجتمعاتنا إضافة إلى ضمان استمرار الحياة الزوجية والأسرية في محطاتها المختلفة بهدوء.
* الحوار الناجح:
كيف يدار حوار ناجح بين الزوجين؟
أولى خطوات النجاح في الحوار أن يكون في البداية مع الذات، بمعنى أن يراجع كل طرف نفسه قبل وقت الخلاف، ويسال نفسه بعض الأسئلة، ويجيب عنها بداية بـ: هل بالغت في تضخيم عيوب الطرف الآخر؟ وهل كنت قاسياً في بعض المطالب؟! وهل حَمَّلت شريكي مسؤولية الأمر كله وتخليت عنها؟ وما الطريقة التي يرضى عنها الله- تبارك وتعالى- لأعبر بهاعما أود مناقشته فيه؟ وبعد الإجابة على تلك الأسئلة لابد أن أُذكِّر نفسي بأن الخلاف والغضب بيئة خصبة يرتع فيها الشيطان فيعملعلى إشعال النفس تجاه الطرف الآخر.
ثم تأتي مرحلة أخرى نضع فيها نقاطاً عريضة نتحدث فيها للوصول لحل المشكلة لكن بشرط ألا نتعامل مع الطرف الآخر على أنه أسوأ إنسان في الكون، ولابد من استخدام تعبيرات الوجه من حزن واسى وغضب للتعبير عن موقف معين لعتاب الزوج أو الزوجة دون الكلام فالتعبيرات غير اللفظية تؤدي نفس الغرض وأحياناً تكون أفضل من الكلام، فاللغة الصامتة مؤثرة في تحريك المشاعر.
ويجب على الزوجين مراعاة الآتي في أثناء الحوار:
* الابتعاد عن الجدال كما قال رسولنا الكريم - صلى الله عليهوسلم -: "طوبى لمن ترك الجدال ولو كان محقاً"، فإذا وجدنا الطريق مسدود في هذا الأمر علينا أن نعود لمناقشته فيما بعد، وكذلك ضرورة النظر إلى الإيجابيات والقواسم المشتركة والانطلاق منها قبل الخوض في موضوع الخلاف وسبب المشكلة.
* تقليل الانتقاد للآخر، وإن كان ضرورياً فلابد أن يكون بطريقة مهذبة، نستقدمها باستهلاله طيبة بالثناء على شخصه والوقوف عند تصرفه في موقف بعينه لمدة وجيزة، وكذلك تقبل فكرة أن الزوجين شخصان مختلفان في البيئة والتنشئة الاجتماعية، وأنهما لن يصبحا إنساناً واحداً مهما حدث، فلكل منهما شخصيته وكيانه لكن يجب أن يكملا بعضهما.
* كما يجب أن نراعي الآداب العامة في خفض الصوت وعدم الحدة، ومحاولة الاستفادة من المواقف المكررة والأخطاء السابقة والتعرف إلى مداخل كل طرف، واليقين التام بأن المشكلة ستحل، وأن نهايتها التراضي بين الطرفين وعودتهما لبعضهما فأجمل ما في الخلاف التراضي.
* وننصح كل زوجين بأن يعلما أن الخلاف في موضوع معين يجب ألا يعكر صفو الحياة وأن يتفقا على خطة لحل المشكلة وسيناريو مقترح للوصول للتراضي ونعلم أن هناك من شياطين الإنس من يسعون دائماً لهدم البيوت المستقرة.
* ثقافة النكد:
هل الندية في التعامل بين الزوجين وراء ثقافة النكد وهروب الأزواج من بيوتهم؟
لا يخفى على عاقل أن إعلاء قيم الأنانية والذاتية وغياب قيمة التسامح أدى إلى تأصيل ثقافة النكد في بيوتنا، وأحدثت نوع من الصمت العاطفي بين الزوجين فأصبح الزوج لا يفكر إلا فيما يريد هو ولا يفكر فيما تريد زوجته وأولاده، وكذلك الزوجة باتت تفكر في مطالبها واحتياجاتها بصرف النظر عن ظروف زوجها، وأصبح السخط وعدم الرضا وضعاً أصيلاً وليس عارضاً، واختفى مصطلح القناعة من قاموس الزوجية؛ فهرب الحب الحقيقي، وطغى عليه الحب المشروط وهو أقرب للصفقة التجارية من المشاعر العاطفية الحقيقية.
كما أصبحت الخلافات الزوجية تدار بمبدأ تصفيه الحسابات، وتخلينا عن الآداب الإسلامية في الخلاف والاختلاف التي علمنا إياها القرآن الكريم، وبتنا نعطي خلافاتنا حجماً أكبر من حجمها الطبيعي؛ فانهار البنيان الأسري وتبعه انهيار البنيان المجتمعي.
وخلاصة القول: إن الالتفاف على المشاكل المجتمعية الكبرى، أو العالمية أو المشاريع القومية توحد أفراد الأسرة على هدف واحد, وهذا ما رصد خلال أزمة الإساءة لرسول الله عليه السلام حيث التفت الأسرة على هدف واحد، كما أن مشكلة أنفلونزا الطيور وحدت الأسرة على كيفية مواجهة الكارثة وكيفية التعامل معها.
وهل هذا تغير للأسوأ أم إنه أمر طبيعي؟
أعتقد أن هذا أمر طبيعي ناتج عن اختلاف المجتمعات، فالمجتمع اليوم مختلف عن ذي قبل وكذلك المتغيرات التي طرأت عليه كثيرة بداية من وسائل التطور التكنولوجي والمفاهيم الثقافية ووسائل الإعلام ولقد كنا نحن - بوصفنا أشخاصاً ومربين - عرضه للتغيير,لكن التغيير لا يعني تغييراً مرفوضاً أو نحو السلبيات فقط إنما له إيجابياته بالطبع، لكن المهم كيف نوجه أنفسنا لاستغلال هذه الإيجابيات وتجنب السلبيات.
وكيف يمكن استيعاب الخلافات الزوجية؟
لعل أول خطوات استيعاب الخلافات الزوجية تكون بتفهم الطرف الآخر وإدراك صفاته وشخصيته وسماته وهواياته وطبيعة عمله ومشكلاته وقبول فكرة الاختلاف والتعايش معها وإدراك أن لنا عيوباً كما للآخر عيوب، وبعد ذلك لابد من البحث عن أسباب المشكلة وعلاجها وسبب الضغوط النفسية، ويلي ذلك ضرورة الابتعاد عن نقد الآخر، وربما تشجيعه للوقوف على المشكلة وحلها مهما كان المتسبب فيها، وضروري أن نحسن الظن في الطرف الآخر وأنه غير متعمد حدوث المشكلة، ويلي ذلك إجراء حوار مع الذات قبل مناقشة المشكلات واللجوء لله تعالى والإلحاح في الدعاء بصلاح الحال.
هل بات المجتمع العربي يعاني تفسخ في العلاقات الاجتماعية والإنسانية؟
للأسف الشديد أصبح التفكك في العلاقات الاجتماعية والإنسانية سمة ومبدأ ملازم للحياة الحديثة، وبدأت العلاقات تتآكل بداية بالعلاقة بالجيران وعلاقة الأسرة النووية بالأسرة الممتدة، وكذلك علاقة الزوجة بحماتها وأخوات زوجها, وداخل الأسرة النووية نفسها رغم صغر عددها بدأت العلاقة بين أفرادها تتآكل، وبسبب نمط الحداثة أصبح كل فرد من أفراد الأسرة بعيداً عن الآخرين أمام التلفاز أو الحاسوب، وتقلصت مساحات الحوار، وبعدنا عن تعاليم ديننا واندثرت قيم التآلف والتعاون والحوار والتراحم والتآخي والتواد في وقت بدأ فيه دول الغرب تركز على كل هذه المعاني، وتعلن يومياً في جرائدها الرسمية عن حاجة الأسر لجدات وهو معنى يفيد التواصل.
وأرى أن تآكل العلاقات الاجتماعية مؤشر كبير على معاناة المجتمع وافتقاده للتوعية, لكن لو فهمت المرأة المسلمة دورها ووعته باعتبارها قوة خارقة وذات ذكاء عال فإنها ستعيد العلاقات الأسرية لقوتها السابقة.
ولماذا تتزايد نسبة الطلاق في بلادنا العربية؟
للطلاق أسباب كثيرة لكنها في مجملها تكمن في عدم التوعية الثقافية للشباب والفتيات لمعرفة معنى الزواج وإقامة أسرة، كما يجهلون علم معرفة الشخصيات، وكيفية التعامل معها واستيعابها، ومعرفة الثقافة الجنسية والنفسية والاجتماعية, فالجهل بكل هذه النواحي يؤدي لعدم الاستمرار في الزواج والانتهاء بالطلاق والانفصال، إضافة إلى أن عقد مقارنة بين زوج المرأة وزوج صديقتها أو مقارنة الزوج بين زوجته وزوجة صديقه يؤدي إلى حدوث شرخ وخلل في بنيان الأسرة وتماسكها وتهاويها لأتفه الأسباب، علاوة على الجهل بوضع خطط وسيناريوهات لحل الخلافات والمشاكل الأسرية والزوجية وهو ما يجعل الطلاق أو الخلع الحل الأقرب، كما أن عدم الوعي بقدسية الحياة الزوجية التي كانت موجودة في الماضي سبب في وقوع الطلاق.
كما كان للتكنولوجيا حلوها ومرها، وللقنوات الفضائية بما تبثه من أفكار مسمومة وتشويه صورة الأسرة بوصفها منظومة، واستخدام المرأة مثل السلعة وتعميم مقاييس جمال ملكات جمال الكون من الطول والعرض والوزن باعتبار ضرورة أن تكون كل النساء كذلك وراء شيوع الطلاق بين حديثي الزواج، حيث يعقد الأزواج مقارنات بين الزوجة وبين الموديل الذي تطرحه وسائل الإعلام مما جعلهم يرفضون زوجاتهم وينشغلون في قضاء أوقاتهم أمام القنوات الفضائية أو الشبكة العنكبوتية أو غرف الدردشة، كل هذه الأسباب وغيرها أدت إلى فشل الزواج في كثير من الأحيان.
ومتى يكون الطلاق الحل الوحيد؟
يقال: "آخر الدواء الكي"، فإذا استمرت الخلافات بين الزوجين بطريقة استحالت معها المعيشة وباتت الحياة الزوجية لا تطاق؛ ولم يفلح الحكمين في الإصلاح بين الزوجين، قال الله تعالى:{إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: من الآية 35]، هنا فقط يكون الطلاق هو الحل الأفضل للزوجين وللأولاد لكن بشرط اختيار الوقت المناسب لإتمام مراسم الطلاق باعتباره أخطر قرار في الحياة، لذلك وصفه الله عز وجل بأنه أبغض الحلال عند الله لذا يجب أن يمر الطلاق بمراحل عدة حتى نصل لما نسميه: " الطلاق الكريم"، بحيث يمر بمراحل تهون على الأطفال الصدمة، وقد يكون من الأفضل أن يعيش الأطفال بين أبوين مطلقين متفاهمين من أن يعيشا وسط أبوين متناحرين دائما